سورة القمر - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{أكفاركم خير من أولئكم} يعني أقوى وأشد من الذين أحللت بهم نقمتي مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون وهذا استفهام إنكار، أي، ليسوا بأقوى منهم {أم لكم براءة} يعني من العذاب {في الزبر} أي في الكتب أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية {أم يقولون} يعني كفار مكة {نحن جميع} يعني أمرنا {منتصر} يعني من أعدائنا والمعنى: نحن يد واحدة على من خالفنا منصرون ممن عادانا. ولم يقل منصرون لموافقة رؤوس الآي. وقيل: معناه نحن كل واحد منا منتصر كما يقال: كلهم عالم، يعني: كل واحد منهم عالم. قال الله تعالى: {سيهزم الجمع} يعني كفار مكة {ويولون الدبر} يعني الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي. وقيل في الإفراد، إشارة إلى أنهم في التولية والهزيمة كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الهزيمة ولا يثبت أحد للزحف فَهُمْ في ذلك كرجل واحد.
(خ) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة يوم بدر «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم أبداً فأخذ ابو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فخرج وهو في الدرع وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر» {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر.
وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر: كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر فعلمت تأويلها {بل الساعة موعدهم} يعني جميعاً والساعة أدهى وأمر، أي أعظم داهية وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر.
قوله عز وجل: {إن المجرمين} يعني المشركين {في ضلال وسعر} قيل في بعد عن الحق وسعر أي نار تسعر عليهم.
وقيل: في ضلال في الدنيا ونار مسعرة في الآخرة. وقيل: في ضلال، أي عن طريق الجنة وسعر أي عذاب الآخرة ثم بين عذابهم فقال تعالى: {يوم يسحبون} أي يجرون {في النار على وجوههم} ويقال لهم {ذوقوا مس سقر} أي ذوقوا أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم مس سقر.


{إنا كل شيء خلقناه بقدر} أي مقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ. وقيل: معناه قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له. وقال ابن عباس: كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك.
فصل في سبب نزول الآية وما ورد في القدر وما قيل فيه:
(م) «عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض وخمسين ألف سنة» قال وعرشه على الماء.
(م) عن أبي هريرة قال: «جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية: {إن المجرمين في ضلال وسعر} إلى قوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
(م) عن طاوس قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر الله تعالى قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز».
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» أخرجه الترمذي. وله عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون وهو منكر الحديث. وفي حديث جبريل المتفق عليه: وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت ففيه ذم القدرية.
عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوه وهم من شيعة الدجال وحق على الله أن يلحقهم بالدجال».
أخرجه أبو داود وله عن أبي هريرة مثله «وزاد فلا تجالسوهم ولا تفاتحوهم في الكلام».
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروى ابن الجوزي في تفسيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر منادياً فينادي نداء يسمعه الأولون والآخرون أي خصماء الله فتقوم القدرية فيأمر بهم إلى النار يقول الله ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر».
قال ابن الجوزي: وإنما قيل: خصماء الله، لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها. وروي عن الحسن قال: والله لو أن قدرياً صام حتى يصير كالحبل، وصلّى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلماً حتى يذبح بين الركن والمقام لكبه الله على وجهه في سقر ثم قيل له ذق مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر. قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله اعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ومعناه أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسن ما قدرها الله تعالى وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه سبحانه وتعالى لم يقدرها ولم يتقدم علمه بها وإنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه وتعالى بعد وقوعها وكذبوا على الله سبحانه وتعالى عن أقوالهم الباطلة علواً كبيراً. وسميت هذه الفرقة قدرية، لإنكارهم القدر. قال أصحاب المقالات من المتكلمين: وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه. وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر ولكن تقول الخير من الله والشر من غيره تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
وحكى أبو محمد بن قتيبة في كتابه غريب الحديث، وأبو المعالي إمام الحرمين في كتابه الإرشاد في أصول الدين، أن بعض القدرية قالوا: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر. قال ابن قتبية وإمام الحرمين: هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهته وتواقح، فإن أهل الحق يفرضون أمورهم إلى الله تعالى. ويضيفون القدر والأفعال إلى الله تعالى وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره وينفيه عن نفسه.
قال إمام الحرمين: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القدرية مجوس هذه الأمة» شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن. ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدرية. وحديث: القدرية مجوس هذه الأمة، رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو داود في سننه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين. وقال: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم عن ابن عمر وقال الخطابي: إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس لقولهم بالأصلين: النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق كل شيء الخير والشر جميعاً لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقاً وإيجاداً وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلاً واكتساباً.


{وكل شيء فعلوه} يعني الأشياع من خير وشر {في الزبر} أي في كتب الحفظة وقيل في اللوح المحفوظ {وكل صغير وكبير} أي من الخلق وأعمالهم وآجالهم {مستطر} أي مكتوب.
قوله عز وجل: {إن المتقين في جنات} أي بساتين {ونهر} أي أنهار وإنما وحَّده لموافقة رؤوس الآي وأراد أنها الجنة من الماء والخمر واللبن والعسل.
وقيل: معناه في ضياء وسعة ومنه النهار والمعنى لا ليل عندهم {في مقعد صدق} أي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وقيل في مجلس حسن وقيل في مقعد لا كذب فيه لأن الله صادق فمن وصل إليه امتنع عليه الكذب فهو في مقعد صدق {عند مليك} قيل معناه قرب المنزلة والتشريف لا معنى المكان {مقتدر} أي قادر لا يعجزه شيء وقيل مقربين عند مليك أمره في الملك والاقتدار أعظم شيء، فلا شيء إلا وهو تحت ملكه وقدرته فأي منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها. قال جعفر الصادق: وصف الله تعالى المكان بالصدق، فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2 | 3